The German-Syrian Research Society (DSFG)

الدكتورة رشا مسلّم: من حلم الطفلة السورية إلى ريادة علم المناعة عالمياً

في عالم غالباً ما تحكمه النماذج الجاهزة للنجاح، تفرض الدكتورة رشا مسلّم حضورًا مختلفاً. هي ليست فقط باحثة في علم المناعة أو مؤسسة شركة استشارية مبتكرة، بل امرأة قاومت، واختارت، وأعادت رسم المسار.

من بانياس إلى اللاذقية: البداية في فضاء الأسئلة

ترعرعت رشا في بانياس، المدينة الساحلية الصغيرة، ونشأت في بيت يؤمن بالعلم، ويعامل  طموح البنات على قدم المساواة مع طموح الأبناء. درست طب الأسنان في جامعة  اللاذقية (تشرين سابقا) في اللاذقية، لكنها لم تجد في العيادة الأجوبة التي كانت تبحث عنها لإشباع فضولها العلمي

“كنت أبحث عن شيء يعطي الممارسة السريرية مقاربة منطقية مبنية على دليل علمي دامغ وليس تجريبي… كنت أريد مساراً غير تقليدي.”
هذا البحث قادها، في عام 2007، إلى مفترق غير متوقع. أثناء عملها في مشفى الرازي في حلب، صادفت للمرة الأولى علم المناعة. وكان الاكتشاف نقطة تحوّل.

“هناك، فهمت أن المناعة ليست مجرد تخصص، بل طريقة لفهم الجسم والعلاج والوقاية، وحتى التنبؤ بالمصير البيولوجي أو الكشف المبكر عن سرطان الفم والحنجرة.”

باريس: بين صدمة الواقع وإثبات الذات

في 2009 قررت أن تتابع دراستها في فرنسا. وهناك، واجهت وجهاً مختلفاً تماماً للعلم. لا فقط في صعوبته، بل في نظامه. كطالبة عربية، وجدت نفسها داخل بيئة لا تخلو من التحيز الثقافي والشك الأكاديمي.
لكنها لم تنسحب. وبدلاً من محاربة النظام، قررت أن تتقنه. حصلت على ثلاث شهادات عليا من جامعة باريس ديكارت: ماجستير في علم المناعة، ماجستير في الهندسة البيولوجية، ثم دكتوراه في علم المناعة.

“لم يكن الطريق سهلًا.لكنني حاولت التفكير بصورة مغايرة عن المعتاد وكان تحدياً نجحت فيه.بالتأكيد جزء كبير من نجاحي يعود للدعم النفسي العابر للقارات من كل فرد من عائلتي “بعد التخرج، كانت العودة إلى سوريا خياراً حاضراً بقوة. لكن الفجوة بين البحث العلمي كما عرفته في باريس، وبين الإمكانيات المحلية، كانت أكبر من أن تُجسر بسهولة.

“أردت أن أدرّس وأبحث في بلدي. لكن لم يكن هناك مختبر يمكنه احتضان شغفي. والقرار كان صعباً: أن أبقى في الخارج، وأبني من هناك.بانتطار الفرصة المناسبة للعودة ونقل ماتعملته للمجتمع العلمي والطبي في سوريا”

سنغافورة: مختبر مفتوح على العالم

في 2016 انتقلت د. رشا إلى سنغافورة، وهناك تجربة علمية مختلفة — حيث يصبح البحث أكثر التصاقاً بالحياة اليومية. عملت باحثة في مركز الأبحاث الوطني، وشاركت في مشاريع عن:

  • تأثير العوامل البيئية خلال الحمل على تطور أمراض الحساسية لدى الرضع.
  • تطوير مؤشرات حيوية للكشف المبكر عن السرطان.
  • فهم الجهاز المناعي في سياق اللقاحات السرطانية.

نشرت د. رشا أبحاثاً علمية نوعية، منها تطوير نموذج لفئران معدّلة جينياً لاختبار دور الخلايا المناعية غير المتخصصة في كبح ردود الفعل التحسسية الجلدية. كما ساهمت في تطوير قائمة بعلامات حيوية ترصد أصل الخلايا المناعية البدينة من المرحلة الجنينية حتى الشيخوخة. وقد حصلت على جائزة أفضل عرض تقديمي (المركز الثاني) في أحد المؤتمرات المتخصصة.

كما شغلت مناصب قيادية، منها سكرتيرة الجمعية السنغافورية لعلم المناعة، ونائبة رئيس جمعية دعم الباحثين العلميين في مركز الأبحاث في سنغافورة، بالإضافة إلى كونها عضو اللجنة التنظيمية لقمة النوع الاجتماعي في آسيا والمحيط الهادئ

NGIg: عندما يغادر العلم الجدران

في عام 2022، أسّست شركتها الخاصة في دبي:  NextGen of Immunology Consultancy (NGIg)، وهي منصة ربحية تربط بين البحث العلمي والمجال السريري والتقني، وتعمل مع شركات ناشئة وعلماء وأطباء لتسريع الانتقال من المختبر إلى التطبيق.

“كنت دائماً أرى أن هناك فجوة مؤلمة بين الاكتشاف والواقع. وNGIg وُلدت من هذه الرغبة في ردم تلك الفجوة، لا فقط تقنياً، بل ثقافياً أيضاً.”

وتعمل NGIg على مشاريع تطوير مؤشرات حيوية للكشف المبكر عن السرطان، وفهم الهوية المناعية للقاحات السرطانية. تسعى الشركة إلى تسريع الانتقال من الاكتشاف إلى التطبيق، وتقود د. رشا هذا المسار عبر الربط بين الباحثين، الأطباء، وشركات التكنولوجيا الحيوية الناشئة.

رسالة علمية وإنسانية

لا ترى د. رشا في المنشورات والجوائز إنجازاً كافياً. ما يهمها أكثر، هو أن يصل البحث إلى الناس. أن يصير العلم لغة مشتركة، لا لغة نخب. لتوسيع نشاط شركتها الاستشارية في الخليج العربي، تسعى لتصميم والتعاون مع مؤسسات ربحية وغير ربحية لنشر ثقافة البحث العلمي بدءا من مرحلة الدراسة الثانوية، وتؤمن أن النجاح العلمي الحقيقي يمكن في بناء منظومات متعاونة تُسهم في إيصال العلم للناس. تقول: “رغبتي في الإنجاز تنبع من قناعة بأن هناك فجوة حقيقية بين المختبر والعيادة، وأن سدّها يحتاج إلى  أكثر من أدوات علمية—يحتاج إلى شراكات، وشغف، وثقة بالذات، حتى عندما تهتز.”

العلم هو السبيل للتخلص من العوائق الاجتماعية التي تواجه المرأة في سوريا

تؤمن د.رشا أن الحديث عن دور المرأة في المجتمع يتم من خلال العلم وتثقيف النساء والرجال على حد سواء من المرحلة المدرسية، الأجيال الناشئة سوف تدرك أن التفريق الجنسي بين بناة المجتمع هو طريقة للتفريق وليس للتمكين. لابد من نزع الصفة الجندرية عندما نتكلم عن دور فاعل في المجتمع، لمنع توثيق العوائق النفسية والفكرة المغلوطة بأن المرأة عنصر مكمل و ليس أساسي.

المرأة بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص ليست بحاجة لوزارة أو مكتب محدد يتحدث بإسمها لأن هذا سوف يحد طريقة تقبلها في المجتمع، لابد من إعطاء المرأة دورها الطبيعي في أي مجال عمل، المرأة بطبيعتها متعطشة للنجاح، توقفوا عن تأطيرها وسوف ترون النجاحات المبهرة التي ستكون رائدة فيها في أي مجال تريد أن تكون فيه.

د. رشا مسلّم نموذج سوري فريد يعكس أهمية تمكين النساء السوريات ومنحهن الثقة وتشجيعهن حتى يصلن إلى مصاف العالمية.