لم تكن رحلة الدكتورة بتول شنان من دمشق إلى ألمانيا مُحاطة بتصريحاتٍ مُبالغ فيها أو تحولاتٍ جذرية، بل كانت التزامًا راسخًا وعميقًا بالعلم. وبصفتها باحثةً متخصصةً في سرطان الجلد، تعكس قصتها إصرارًا على قناعة شخصية قوية وقوةً هادئةً للتركيز طويل الأمد.
تنتمي الدكتورة بتول إلى مدينة دمشق، وقد ظل هذا الانتماء حاضرًا فيها رغم سنوات التنقل والدراسة والعمل خارج سوريا. تنقلت بين الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم إنجلترا، والولايات المتحدة، وأخيرًا ألمانيا، حيث استقرّت مهنيًا. حصلت على درجة الدكتوراه من مستشفى جامعة هومبورغ/زار الألمانية، في بيولوجيا السرطان، وبدأت مسارها البحثي تدريجيًا، مع حرص واضح على اختيار البيئات التي تُضيف إلى خبرتها.
تحدثت عن هذه التنقلات باعتبارها محطات ساهمت في تشكيل شخصيتها المهنية، دون أن تفقد توازنها أو تُبالغ في تقديمها كتحديات درامية. ما لمسته في حديثها هو نظرة عملية للأماكن التي عاشت فيها، وكيف أخذت منها ما يناسبها دون أن تذوب فيها.
اليوم تعمل د. بتول الشنان في مستشفى جامعة إيسن بألمانيا، ضمن قسم الأمراض الجلدية، كباحثة في سرطان الجلد (الميلانوم). المجال الذي اختارته ليس سهلًا ولا سريع النتائج، لكنه يعكس دقةً علمية وتخصصًا يتطلب صبرًا وتركيزًا طويل المدى. تتركز أبحاثها على فهم كيفية نشوء مقاومة الميلانوم للعلاجات المستهدفة، وتحديدًا في حالات تحوّر BRAF V600.
من ضمن النقاط التي تتناولها في أبحاثها، دراسة ما يُعرف بـ الخلايا الباقية (persister cells)، وهي خلايا بطيئة الانقسام قادرة على النجاة من العلاج الأولي، لتُعيد إحياء الورم لاحقًا. هذا النوع من الخلايا يُمثّل تحديًا بحثيًا حقيقيًا، والعمل عليه يتطلب استراتيجية استباقية لفهم كيفية تحوّله إلى خلايا مقاومة للعلاج بشكل دائم.
في إطار هذا التخصص، ساهمت د. بتول في إنتاج علمي متنوع، شاركت فيه ضمن فرق بحثية متعددة، وصدرت أعمالها في مجلات علمية مرموقة. في عام 2022، نُشر لها بحث في مجلة Nature Communications ناقش آليات الانتقال إلى الحالة المقاومة في الميلانوم، واقترح نهجًا وقائيًا لمواجهة هذه الظاهرة.
في مارس 2025، ساهمت في ورقة علمية تتناول استهداف نظام كيميائي داخل الخلية – peroxiredoxin–thioredoxin – بهدف الحد من تطور مقاومة الورم. كما كانت جزءًا من بحث نُشر في ديسمبر 2024 استخدم تقنيات البروتيوميات المكانية لتحديد دور بروتين SIRT1 في دعم الاستجابة المناعية للعلاج.
يعكس هذا التراكم البحثي، إلى جانب أكثر من 45 ورقة علمية منشورة، وأكثر من 1,400 استشهاد، عملًا جادًا ومنهجيًا. لم تشر إلى هذه الأرقام خلال الحديث، لكنها حاضرة في سجلّها العلمي العام، وتُشير بوضوح إلى أثرها داخل المجتمع البحثي المتخصص.
سبق أن عملت كباحثة ما بعد الدكتوراه في معهد ويستر للأبحاث في فيلادلفيا (2012–2014)، كما شغلت نفس الدور في جامعة سارلاند – هومبورغ في ألمانيا (2004–2007). واليوم، تواصل أبحاثها ضمن مسار أكاديمي طويل الأمد (Tenure Track)، تسعى من خلاله إلى تأسيس فريق بحثي خاص، يعمل على تطوير حلول طويلة المدى لمشكلات علاج الميلانوم.
ما يلفت في حديثها عن هذه المسارات أنها لا تتعامل معها بوصفها نقاطًا للاستعراض، بل خطوات عملية داخل سياق علمي واضح. هي ليست في عجلة، لكنها واضحة بشأن أهدافها، وتتحرك باتجاهها بثبات.
حين سُئلت عن الدافع وراء استمرارها في هذا المجال، قالت ببساطة:
“أنا حقًا أحب ما أفعله. كل يوم فيه جديد، ورغم الإحباط، هناك شيء مجزٍ في أن تبحث وتفكر وتحاول.”
عبارة تختصر رؤيتها للعِلم، بوصفه مهنة متجددة، لا فقط تحديًا منهكًا. كما قدّمت نصيحة واقعية للعلماء الشباب، مفادها:
“أن يكونوا واعين للتحديات، أن يصبروا، أن يعرفوا إلى أين يتجهون، وأن يستمتعوا بالتجربة.”
هذه النصيحة لا تأتي من موقع تنظيري، بل من تجربة شخصية موزونة. بدا لي أن هذه النظرة ليست منفصلة عن مسارها، بل منسجمة معه تمامًا.
حاولنا في هذا النص تتبّع مسار د. بتول الشنان كما ظهر من حديثها، ومن أعمالها المنشورة، ومن خياراتها المهنية. لا تدّعي التجربة وضوحًا تامًا، لكنها تملك معالم كافية لما يشكّل اليوم حضورًا بحثيًا فاعلًا في مجال طبي بالغ التعقيد. لا تزال الكثير من الأسئلة العلمية مفتوحة، كما لا تزال الاحتمالات المهنية أمامها قيد التشكل، لكن المؤكد أن ما تراكم حتى الآن هو عمل منتظم، ومتخصص، وقابل للقياس بمعايير البحث لا بمعايير الانطباع.