The German-Syrian Research Society (DSFG)

Meet Odette

عودة بالذّاكرة إلى انطلاقة مشروع -Meet Odette-

تركّز الشّبكة الأكاديميّة النّسويّة السّوريّة على دعم وتمكين الأكاديميّات العربيّات والسّوريّات خاصّةً في رحلة بحثهنّ الأكاديميّ والمهنيّ، وتقدّم حلولاً وأفكاراً تشجّعهنّ على الإنجاز وتحقيق الأفضل لمجتمعاتهنّ، وتركّز على ربطهنّ بالمجتمعات الغربيّة والمجتمع الألمانيّ تحديداً، سواءً أكاديميّاً أو من نواحي الحياة الأُخرى، حيث تقدّم بيئة ملهمة للأكاديميّات تمدّهنّ بالدّعم لتجاوز التّحدّيات والمصاعب الّتي تواجههنّ من خلال نشاطاتها المتنوّعة، آخذةً من اللّغة العربيّة رابطةً أساسيّةً تجمع الأكاديميّات العربيّات والسوريّات من مختلف أنحاء العالم، مشجّعةً إيّاهن على التّعبير عن آرائهنّ وأفكارهنّ بحريّة من دون قيود اللّغة أو صعوبة صياغة أفكارهنّ، حيث تتيح لهنّ تبادل المعرفة وحلول المشكلات مع إمكانيّة إيصال المشاعر والمخاوف بسهولة وسلاسة أكبر، كما تسمح بالتّطرق للمشكلات والتّحدّيات بشكل تفصيلي وموسّع وتفتح المجال أمام اقتراحات وأفكار وحلول أكثر فائدة وغنىً كونها اللّغة الأمّ لجميع أعضاء الشّبكة الموجودين في مناطق مختلفة من العالم، بالإضافة إلى تحقيق الأهداف المشتركة المرجوّة من وجود الأكاديميّات معاً في شبكة واحدة تجمعهنّ وتفتح أمامهنّ المجال لتقديم المشورة ومساندة بعضهنّ البعض، وتبادل الخبرات والمعارف والتّوجيه للأفضل، وتشارك القصص الملهمة، إضافةً إلى أنّها تؤمّن لهنّ شبكات وعلاقات ونشاطات تساعدهنّ في النهوض أكاديميّاً ومهنيّاً ، وتساهم في انتشار أوسع بين الأكاديميّات العربيّات والسّوريّات أيّاً كان مكانهنّ في هذا العالم.

بالعودة في الذّاكرة إلى يوم السّبت 25 آذار 2023، حيث كانت الانطلاقة الأولى لمشروع “لقاء أوديت” الذي أقامته الجمعيّة الألمانيّة السّورية للبحث العلميّ من خلال الشّبكة الأكاديميّة النّسويّة السّوريّة، انبثق لقاء أوديت عن الشّبكة كمشروع أساسيّ من مشاريعها الحاليّة والمستقبليّة، وتقوم الفكرة الأساسيّة للمشروع على استضافة متحدّثة باحثة سوريّة متخصّصة في أحد المجالات وحاصلة على درجة الدّكتوراه باختصاصها وتواصل مسيرة البحث العلمي، لتروي تلك المسيرة التي عاشتها بكل تفاصيلها ونالت منها الكثير من الجهد والكفاح، وأعطتها آفاقاً من العلم والمعرفة، فتكون بذلك ملهمة للكثيرات ممّن يواجهن صعوبات البحث العلميّ، وفرصة مهمّة لهنّ للتواصل مع “أوديت” وطلب النّصيحة وتبادل المعلومات اللّازمة لمتابعة طريق البحث الأكاديميّ وتحقيق التفوّق فيه.

كان اللّقاء الأوّل الّذي له بالطّبع الأثر الكبير في نفوس جميع أعضاء الشّبكة، والّذي دام مدّة ثلاث ساعات مع الباحثة السّوريّة الأولى التي تبحث في تصوير “الآلهة الشّفيعة” ومراحل تطوّرها في الفنّ السّوريّ في الألفيّة الثّانية قبل الميلاد، وتخرج بنتائج مهمّة تعطي إضافة قيّمة للفنّ وعلم الآثار السّوري، الباحثة زينا عوض الحاصلة على درجة الدّكتوراه من معهد آثار الشّرق القديم التّابع لجامعة Ludwig Maximilian في مدينة ميونيخ الألمانيّة.

في غضون نصف ساعة تحدّثت د.زينا عن شغفها بعلم الآثار وحبّها له منذ الطّفولة، ورحلتها في المرحلة الجامعيّة الأولى عندما بدأت بدراسة الآثار ضمن كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة في جامعة حلب، ثمّ مرحلة الدّراسات العليا التي تابعتها في سورية بتخصّص آثار الشّرق القديم، وسفرها خارج سورية إلى مصر، وكيفيّة تقدّمها لمنحة DAAD الألمانيّة لمتابعة الدّكتوراه بذات التّخصص لكن مع تركيز بحثها على “الآلهة الشّفيعة” وتطوّرها في الفنّ السّوري في الألفيّة الثّانية قبل الميلاد. 

كما قدّمت د.زينا عرضاً تقديميّاً مليئاً بمعلومات غنية وممتعة، انتقت خلاله صوراً عدّة توضّح معنى الآلهة الشفيعة ودلالاتها وكيف تراها وكيف بحثت عنها بعدّة لغات حتى توصّلت لنتائج بحثها.

موصلةً رسالة “أنّ الحقائق التي نؤمن بها مبنّية على ما اكتشفناه إلى الآن”، مركّزةً على أهمّيّة معرفة التّاريخ وضرورة وجوده في دراساتنا واطّلاعنا عليه حتّى في مناهجنا، لكنّها نوّهت عن فكرة تطوير طريقة عرضه وتقديمه بطرق ممتعة وملهمة غير الطّرق التّقليديّة، الّتي لا تضيء على الجوانب الرّائعة للتبحّر في التّاريخ والفنّ والعلوم التي يحويها، ولا تسمح بمعرفة الحضارات القديمة والاستفادة منها في صقل معرفتنا الحاليّة وتوجّهاتنا بناءً على التّجارب السّابقة.

وأكّدت “بشرى يوسف” المنسّقة التّنفيذية للشّبكة على أهمّيّة هذا الجانب حيث أضافت: “أنا كشخص اعتقدتُ خلال حياتي أنّني لا أحبّ التّاريخ بسبب منهجيّة التّعليم القديمة التي نشأنا بها والّتي تجعل الطّالب يفكّر بطريقة محدودة بأنّه يجب أن يختار بين المجالين الأدبيّ والعلميّ، وأنّه يميل إلى أحدهما فقط، اكتشفت أنّ هناك طرقاً يُقدَّمُ بها التّاريخ بطريقة جذّابة وغنية، وأنّه مليء بالكثير من القصص الرّائعة والملهمة، الكثير من التّعبيرات العميقة، والّتي تدفع الإنسان للتطوّر أكثر والتّفكر في الحضارات السّابقة وإنجازاتها”.

قدّمت د.زينا عدّة إجابات على أسئلة طُرِحت عليها من قبل الحضور والتي بدورها فتحت باب النّقاش حول أهميّة علم الآثار، ودوره في الحفاظ على حضارة الشّعوب وهويّتهم.

كانت الفكرة الأكثر تأثيراً في نفوس المشاركات خلال هذا اللّقاء هو التطرّق إلى علاقة البحث العلميّ بالصّحة النّفسية ودورها الكبير في اجتياز هذه المرحلة، وأثرها على مجريات الحياة كافّةً وتحديداً المسار الأكاديمي، حيث ذكرت د.زينا أنّها خلال مسيرتها مرّت بالعديد من محطّات الإحباط أثناء عملها على رسالتها الدّكتوراه، وحتى أنّها وصلت في بعض الأوقات إلى مرحلة أرادت فيها أن توقف كلّ شيء ولا تكمل، وذلك بسبب التّعب والجهد الكبير الذي كانت تبذله، لكنّها قدّمت مجموعة حلول وأدوات تراها كحلّ لهذه المشكلة التي قد تواجه أيّ شخص خلال مسيرته البحثيّة أو أي مسار من مسارات حياته، خصوصاً عند الشّعور بالتّعب و الإحباط أو الرّغبة في الاستسلام، وأكّدت ضرورة أن نمنح أنفسنا استراحةً نستغلّها بفعل شيءٍ نحبّه، نشحن من خلالها أنفسنا بالطّاقة اللّازمة لنكمل مسيرتنا ونعود للإنجاز بقوّة وطاقة أكبر.

وأشارت إلى أهميّة الاستمرار بمكافأة أنفسنا أيضاً بالأشياء التي نحبّها بعد كلّ مرحلة ننتهي منها لنبقى دائماً مفعمين بالحيويّة المطلوبة لتحقيق أهدافنا، وضرورة إيجاد آليّات تساعدنا في تجاوز فترات القلق والتّوتر، الذي قد يترافق مع هذه المرحلة.

وأخبرت الحضور بأنّنا لا بدَّ وأن نمرّ خلال رحلتنا هذه بأوقات نعاني فيها من بعض المشاعر السّلبيّة، سواء بسبب صعوبة البحث، أو التّحديات والمعوّقات التي قد تعترضنا من اختلاف اللّغة أو اختلاف ظروف البلاد الّتي نكمل فيها دراساتنا، لكنّنا حتماً سنتجاوزها إن أولينا الاهتمام لصحّتنا النّفسيّة، مؤكّدة ضرورة الابتعاد عن أن نرهق أو نجهد أنفسنا فوق طاقتنا،  أو نحمّل أنفسنا باستمرار مسؤوليّة الانتهاء بسرعة من أيّة مرحلة، على العكس بل أن نعطي الوقت الكافي للتمتّع بكل تفصيل، ونعتني بدواخلنا وصحتنا النفسية خلال أي تجربة نمر بها.

وأضاءت خلال هذا على الصّعوبات الّتي واجهتها في اللّغة خصوصاً أنّ بحثها في المجال الأدبيّ التّاريخيّ الذي يعتمد برمّته على اللّغة والبحث والقراءة العميقة والتّدقيق في أبحاث نظريّة بحتة كان مفتقراً إلى التّجارب، كما هو الحال في الفروع التّطبيقيّة أو العمليّة التي قد تعزّز القدرة على الفهم و التّناغم مع البحث بشكل أسهل، حيث كانت رسالتها طويلة جداً وتطلّبت منها جهداً كبيراً، ووقتاً طويلاً كانت تأخذ خلاله إجازات واستراحات لتشحن نفسها بالطّاقة من جديد حتى اجتازت هذه المرحلة وأنهت رسالتها الدّكتوراه.

كان اللقاء حماسيّاً جدّاً، خصوصاً بأنّه كان التّجلّي الأوّل لفكرة مشروع “لقاء أوديت” ، وكان رأي الجميع أنّ اللّقاء كان رائعاً وكنّ جميعاً مفعماتٍ بالحماس للقاءاتٍ جديدة من هذا النّوع.

وتنوّعت الأسئلة في نهاية اللّقاء، حيث كان الاهتمام كبيراً بكيفية إدخال نتائج هذه الأبحاث إلى المناهج الدّراسية، وكيفيّة تطوير طريقة تقديم هذا النّوع من المجالات، لأنّ الموضوع كان شيّقاً جدّاً برأي المشاركات، حيث أضاف إليهنّ أفكاراً جديدة وملهمة، وغيّر نظرتهنّ تجاه هذا المجال، خصوصاً أنّ أغلب المشاركات كنّ من فروع علميّة وأدبيّة متنوّعة بعيدةً نوعاً ما عن مجال التّاريخ والأدب، كما سألنها عن بحثها وتجربتها الأكاديميّة، وكيف تعاملت مع الصّعوبات التي واجهتها في تواجدها في بلاد أجنبيّة وهي تدرس الدّكتوراه بلغة أجنبيّة،

وشجّعت المشاركات على المحاولة دائماً أيّاً كانت الظّروف أو البلاد الّتي أخذن تعليمهنّ فيها، فهناك فرص دائماً للتطوّر في بلدانٍ أُخرى، ورغم اختلاف ثقافات البلدان الأجنبيّة عن ثقافاتنا الأمّ واختلاف منهاجهم البحثيّة إلّا أن هناك دائما فرصة عندما نجتهد ونبحث ونصرّ على الهدف حيث لا شيء مستحيل، على العكس فإن اليُسر سيكون رفيق الطّريق عندما نؤمن بأنّنا سنجد هذه الفرصة.

علّقت “بشرى يوسف” في نهاية هذا اللّقاء أنّه في خضمّ ما أمرُّ به اليوم في تجربتي في دراسة ماجستير القانون وأنا أواجه تحدّيات مماثلة لما ذكرته د.زينا وأمرّ اليوم بنفس مرحلة التخبّط بين أن أكمل أو أتوقّف هنا، بسبب كلّ ما يتطلّبه منّي هذا، من جهد كبير جدّاً في القراءة والبحث والعمل مؤكّدة فكرة د.زينا حول صعوبة التّعامل مع الأبحاث النّظرية، كما الصّعوبات الّتي تواجهها خصوصاً في تواجدها في سورية في فترة تتطلّب منها الكثير وتضعها أمام كثير من التّحديات، كحاجتها للعمل والدّراسة في آنٍ معاً وضرورة التّركيز على كليهما بجهد وفاعليّة لتحقيق نتائج مرضية، وأنّه حتّى عندما فكّرت في الاستسلام فهذا شكّل تحدّياً أيضاً بسبب العبء الإضافيّ الذي قد يرافقه من الإحساس بالفشل، أو كلام المحيط، بالإضافة إلى الصّعوبات في الجامعة والعلاقات الأكاديمية، أشارت أنّه في خضمّ كلّ هذا، أتى هذا اللّقاء مسكّناً لي، وكأنّه تماماً ما كنت أحتاجُ سماعه لأكمل وأواجه جميع هذه المخاوف، وأستعيد الطّاقة للاستمرار مجدّداً، لأنني حرفيّاً كنت في مرحلة فقدان الأمل أنّني سأستطيع اجتياز هذه المرحلة وإنجازها بنجاح.

ما لفت الحضور كان رقيّ وبساطة وتواضع د.زينا حيث أنّها حتّى فضّلت مناداتها من دون ألقاب، فلا ترى أنّ الألقاب تغيّر أو تضيف إليها كشخص بل على العكس فإن التّجربة والعلم الذي تأخذه هو ما يجعل منها هيَ كإنسان، كما أشدنَ بتعاونها ومعرفتها التي أغنت الحضور، وحبّها الكبير لاختصاصها الّذي شجّع الجميع على حبّ ما تفعلنَه والتمسّك بأحلامهنّ وشغفهنّ، والأمل الّذي أنمتهُ في قلوبهنّ، فقد حاكى كلامها مخاوفهنّ جميعاً ومدّهنّ بالإرادة لاستكمال الطّريق، حيث اختتم اللقاء بكثير من الامتنان لها ولما قدّمته.

وأظهر اللّقاء تجاوباً وإقبالاً رائعاً حيث أثار فضول العديد من الباحثات للانضمام إلى الشّبكة بعد الإعلان عنه وحضورهنّ له.

إذا كنتِ مهتمّة أيضاً بالانضمام إلينا أو مشاركتنا أنشطتنا أو لديك أيّة استفسارات؛ يُمكنكِ الاتِّصال بنا عبرَ وسائل التَّواصُل الاجتماعيّ أو عبرَ البريد الإلكترونيّ.

swan@ds-fg.com

ندعوكِ للمشاركة في أنشطتنا ومشاركتنا الإلهام والنّمو معاً، فكوني جزءاً من عائلتنا ك PEN (عضو شبكة) وشاركينا أحداثنا القادمة.